رجح خبراء ليبيون أن يكون الموقف الإيطالي المساند للتدخل العسكري التركي في الأراضي الليبية، مرتبطا بمصالح مع حكومة فايز السراج المدعومة من تركيا وقطر، إضافة إلى كونه حلقة من حلقات الصراع التاريخي، الذي تجدد بين روما وباريس على الإقليم الجنوبي من الأراضي الليبية بعد 10 سنوات من سقوطها في الفوضى.
وفي مقابل الموقف الإيطالي، يأتي الموقف الفرنسي على الجانب الآخر متصادما مع تركيا التي تهدد أمنها القومي والاقتصادي في ليبيا وشرق البحر المتوسط، وينعكس موقف العاصمتين الأوروبيتين على الموقف المتذبذب للاتحاد الأوروبي في الأزمة الليبية
مما يؤدي إلى تأجيل العقوبات الأوروبية على تركيا.
ويوم السبت، قال رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، إن لتركيا دورا محوريا واستراتيجيا في ليبيا، مضيفا في تصريح نقلته عنه مجلة “ليمس” الجيوسياسية (الإيطالية) أن لبلاده مصالح في ليبيا في الحاضر كما كان الحال في الماضي كما أن هناك حاجة إلى النقاش وإقامة الحوار مع تركيا ووضع أجندة إيجابية معها.
وجاء تصريح كونتي بعد عودته من اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل، والذي كان مقررا أن يتبنى فرض عقوبات أوروبية على تركيا بسبب ممارساتها الاستفزازية لكن الاجتماع انتهى إلى منح فرصة جديدة لتركيا إلى مطلع ديسمبر المقبل.
مناكفات سياسية وتلاسن
وفي إطار التنافس بين روما وباريس في ليبيا، فإن إيطاليا تسعى لتعطيل أي مسار تسلكه فرنسا في الملف الليبي، ففي مايو من عام 2018، احتضن قصر الإليزيه مؤتمر باريس، وخلص إلى وضع إطار عمل سياسي من أجل تمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، تدعمها الأمم المتحدة في ديسمبر لإنهاء الصراع المستمر في البلاد.
وردت إيطاليا بالتشكيك فيما وصل إليه مؤتمر باريس واتهمت فرنسا بأنها تريد أن تكون اللاعب الوحيد في ليبيا، وعقدت في نوفمبر من العام نفسه مؤتمر باليرمو، بحضور 38 دولة إلى جانب ممثلين عن كافة الميليشيات المتناحرة والقبائل.
كما شهد العام 2019 حالة من التلاسن عبر وسائل الإعلام بين باريس وروما، والذي بدأته الأخيرة بتصريح لوزيرة الدفاع الإيطالية “إليزابيتا ترينتا” حين قالت لنظيرتها الفرنسية، فلورنس بارلي: “لنكن واضحين. القيادة في ليبيا لنا”.
وفي المنحى نفسه، قال وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني “إن إيمانويل ماكرون، سيكون مخطئاً لو اعتقد أن ليبيا تخصه، فليبيا لها علاقة مميزة تاريخياً مع إيطاليا، ولن نتخلى عنها أبداً”، وعندها تردت عليه ناتالي لوازو الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشؤون الأوروبية بالقول: إن فرنسا لن تشارك في مسابقة الأكثر غباء”، في إشارة للتصريحات الإيطالية كما وصفها مكتب ماكرون بالتصريحات السخيفة”.
ليبيا ساحة حرب مفتوحة
ويقول الخبير العسكري الليبي، اللواء محمد أحمودة، إن سقوط الدولة الليبية في 2011 جعلها ساحة حرب مفتوحة وقابلة لكل التدخلات الأجنبية “كل وفقاً لأهوائه ومصالحه”.
وأضاف في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية” أن إيطاليا تتعاون مع تنظيم الإخوان الراعي الرسمي للتنظيمات الإرهابية والميليشيات القبلية في مصراتة والتي تتواجد فيها قوات إيطالية لضمان الاستحواذ على النفط والنفوذ
وأشار أحمودة إلى أن إيطاليا تستورد من ليبيا 48 بالمئة من استهلاكها النفطي، وأكثر من 40 بالمئة من الغاز.
وأورد اللواء أحمودة أن إيطاليا وقفت موقفا عدائيا من الجيش الوطني الليبي منذ إعلانه الحرب على الإرهاب وفي مقدمته تنظيم الإخوان الإرهابي، لأنها لن تستفيد من الجيش الوطني الليبي بالقدر الذي تستفيده من الإخوان، حسب قوله.
وأورد اللواء أحمودة أنه في المقابل ساندت فرنسا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لأنه يسعى للقضاء على الإرهاب وتوحيد ليبيا تحت مظلة سياسية وعسكرية وأمنية واحدة، وهذا ما تدعمه باريس التي ترى أن جهودها في مواجهة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء لن تكتمل إلا بالقضاء عليه في ليبيا.
واختتم اللواء أحميدة بقوله إن إيطاليا تسعى لعرقلة أي عملية سياسية تؤدي إلى إجراء انتخابات في ليبيا لمعرفتها المسبقة بخسارة تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي تتعامل إيطاليا مع ميليشياته غرب ليبيا وتسعى إلى إستمراره متحكما لأطول فترة ممكنة.
100 عام من الصراع
من جانب آخر، قال المحلل السياسي الليبي، محمد الزبيدي، إن الصراع الإيطالي – الفرنسي تمتد جذوره إلى زمن الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945 ) وكانت إيطاليا تحتل كامل الأراضي الليبية وقتها.
وأضاف الأكاديمي المختص في القانون الدولي، لـ”سكاي نيوز عربية” أنه أثناء الحرب زحفت القوات الفرنسية من مستعمراتها في تشاد والنيجر للجنوب الليبي وهزمت نظيرتها الإيطالية وبقيت هي بالجنوب والذي كان يعرف باسم ” إقليم فزان ” حتى عام 1953 وبالتالي ترى باريس أنها صاحبة الفضل في تحرير فزان من الاستعمار الإيطالي
ويقول الزبيدي إن ما يعمق الخلاف بين البلدين هي نظرتهما الاستعمارية لليبيا التى تمثل، حسب رؤية روما، الشاطئ الرابع لإيطاليا التي تفصلها عن ليبيا عدة أميال بحرية وتعتبرها إيطاليا ضمن مجالها الحيوي.
ويضيف الزبيدي أن الفرنسيين يرون أنهم الأولى بالامتيازات في جنوب ليبيا بعد تحريره من الاحتلال الإيطالي كما أن ليبيا تشكل بوابة العبور لأفريقيا الفرانكفونية وهي الحاجز بين المنطقة المغاربية والمشرق العربي.
واختتم الزبيدي حديثه بالقول أن الصراع تعقد بين باريس وروما بسبب اتفاق الإيطاليين والإنجليز والأمريكان على إبعاد فرنسا من المنطقة في سياق الصراع الفرانكفوني – الأنجلوفوني ، وذلك بعدم السماح لها بالتمدد في الشمال الأفريقي وغربا نحو ليبيا، لأن بريطانيا وأميركا تعتبران ليبيا منطقة نفوذ بريطانية أميركية وهما تستخدمان، وفقا لرؤية الزبيدي، إيطاليا وتركيا كمخلب قط لمواجهة التمدد الفرنسي.